سورة النساء - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


لما ذكر الله الأمر الذي لو فعلوه لأنعم عليهم، ذكر بعد ذلك ثواب من يفعله، وهذه الآية تفسير قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة: 5]، وقالت طائفة إنما نزلت هذه الآية لما قال عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الذي أري الأذان، يا رسول الله إذا مت ومتنا كنت في عليين فلا نراك ولا نجتمع بك، وذكر حزنه على ذلك، فنزلت هذه الآية، وحكى مكي عن عبد الله هذا، أنه مات النبي عليه السلام، قال اللهم أعمني حتى لا أرى شيئاً بعده، فعمي، وذكر أن جماعة من الأنصار قالت ذلك أو نحوه، حكاه الطبري عن ابن جبير وقتادة والسدي.
قال القاضي أبو محمد: ومعنى- أنهم معهم- أنهم في دار واحدة، ومتنعم واحد، وكل من فيها قد رزق الرضا بحاله، وذهب عنه أن يعتقد أنه مفضول، وإن كنا نحن قد علمنا من الشريعة أن أهل الجنة تختلف مراتبهم على قدر أعمالهم، وعلى قدر فضل الله على من شاء، والصدّيق فعيل من الصدق، وقيل من الصدقة، وروي عن النبي عليه السلام، الصديقون المتصدقون، والشهداء المقتولون في سبيل الله، هم المخصوصون بفضل الميتة، وهم الذي فرق الشرع حكمهم في ترك الغسل والصلاة، لأنهم أكرم من أن يشفع لهم، وسمعوا بذلك لأن الله شهد لهم بالجنة، وقيل لأنهم شهدوا لله بالحق في موتهم ابتغاء مرضاته، ولكن لفظ، {الشهداء} في هذه الآية يعم أنواع الشهداء، و{رفيقاً} موحد في معنى الجمع، كما قال: {ثم يخرجكم طفلاً} [الحج: 5] ونصبه على التمييز، وقيل على الحال، والأول أصوب، وقرأ أبو السمال، {وحسْن} بسكون السين، وذلك مثل شجر بينهم.
وقوله تعالى: {ذلك الفضل من الله} رد على تقدير معترض يقول، وما الذي يوجب استواء أهل الطاعة والنبيين في الآخرة، والفرق بينهم في الدنيا بيّن؟ فذكر الله أن ذلك بفضله لا بوجوب عليه، والإشارة ب {ذلك} إلى كون المطيعين مع المنعم عليهم، وأيضاً فلا نقرر الاستواء، بل هم معهم في دار والمنازل متبانية، ثم قال: {وكفى بالله عليماً} وفيها معنى أن يقول، فسلموا فعل الله وتفضله من الأعتراض عليه، واكتفوا بعلمه في ذلك وغيره، ولذلك أدخلت الباء على اسم الله، لتدل على الأمر الذي في قوله: {وكفى}.


هذا خطاب للمخلصين من أمة محمد عليه السلام، وأمر لهم بجهاد الكفار، والخروج في سبيل الله، وحماية الشرع، و{خذوا حذركم}، معناه: احزموا واستعدوا بأنواع الاستعداد، فهنا يدخل أخذ السلاح وغيره، و{انفروا} معناه: اخرجوا مجدين مصممين، يقال: نفر الرجل ينفِر بكسر الفاء نفيراً، ونفرت الدابة تنفُر بضم الفاء نفوراً، و{ثبات} معناه: جماعات متفرقات، فهي كناية عن السرايا و{جميعاً}، معناه: الجيش الكثيف مع النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا قال ابن عباس وغيره، والثبة: حكي أنها فوق العشيرة من الرجال، وزنها فعلة بفتح العين، أصلها ثبوة، وقيل: ثبية، حذفت لامها بعد أن تحركت وانقلبت ألفاً حذفاً غير مقبس، ولذلك جمعت ثبون، بالواو والنون عوضاً من المحذوف وكسر أولها في الجمع دلالة على خروجها عن بابها، لأن بابها أن تجمع بالتاء أبداً، فيقال: {ثبات}، وتصغر ثبية أصلها ثبيوة، وأما ثبة الحوض وهي وسطه الذي يثوب الماء إليه، فالمحذوف منها العين، وأصلها ثوبة وتصغيرها ثوبية، وهي من ثاب يثوب، وكذلك قال أبو علي الفارسي في بيت أبي ذؤيب: [الطويل]
فَلَمَّا جَلاها بالأَيامِ تَحَيَّزَتْ *** ثَبَاتٌ عَلَيْهَا ذلُّهَا واْكِتئَابُها
انه اسم مفرد ليس يجمع سيق على الأصل، لأن أصل ثبة ثبوة، تحركت بالواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً، فساقها أبو ذؤيب في هذه الحال.
وقوله تعالى: {وإن منكم} {إن} إيجاب، والخطاب لجماعة المؤمنين، والمراد ب {من} المنافقون وعبر عنهم ب {منكم} إذ هم في عداد المؤمنين، ومنتحلون دعوتهم، واللام الداخلة على {من} لام التأكيد، ودخلت على اسم {إن} لما كان الخبر متقدماً في المجرور، وذلك مهيع في كلامهم، كقولك: إن في الدار لزيداً، واللام الداخلة على {يبطئن} لام قسم عند الجمهور، تقديره {وإن منكم لمن} والله {ليبطئن} وقيل: هي لام تأكيد، و{يبطئن} معناه: يبطئ غيره أي يثبطه ويحمله على التخلف عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ مجاهد {ليبطئن} بالتخفيف في الطاء، و{مصيبة} يعني من قتل واستشهاد، وإنما هي مصيبة بحسب اعتقاد المنافقين ونظرهم الفاسد، أو على أن الموت كله مصيبة كما شاءه الله تعالى، وإنما الشهادة في الحقيقة نعمة لحسن مآلها، و{شهيداً} معناه مشاهداً فالمعنى: أن المنافق يسره غيبه إذا كانت شدة وذلك يدل على أن تخلفه إنما هو فزع من القتال ونكول عن الجهاد.
وقوله تعالى: {ولئن أصابكم فضل من الله} الآية، المعنى ولئن ظفرتم وغنمتم وكل ذلك من فضل الله، ندم المنافق إن لم يحضر ويصب الغنيمة، وقال: {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً} متمنياً شيئاً قد كان عاهد أن يفعله ثم غدر في عهده، لأن المؤمن إنما يتمنى مثل هذا إذا كان المانع له من الحضور عذراً واضحاً، وأمراً لا قدرة له معه، فهو يتأسف بعد ذلك على فوات الخير، والمنافق يعاطي المؤمنين المودة، ويعاهد على التزام كلف الإسلام، ثم يتخلف نفاقاً وشكاً وكفراً بالله ورسوله، ثم يتمنى عندما يكشف الغيب الظفر للمؤمنين، فعلى هذا يجيء قوله تعالى: {كأن لم تكن بينكم وبينه مودة} التفاتة بليغة، واعتراضاً بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم.
وحكى الطبري عن قتادة وابن جريج، أنهما كانا يتأولان قول المنافق {يا ليتني كنت معهم} على معنى الحسد منه للمؤمنين في نيل رغيبة، وقرأ الحسن {ليقولُن} بضم اللام على معنى {من} وضم اللام لتدل على الواو المحذوفة، ويدل مجموع هاتين الآيتين على أن خارج المنافقين فإنما كان يقصد الغنيمة، ومتخلفهم إنما كان يقصد الشك وتربص الدوائر بالمؤمنين و{كأن} مضمنة معنى التشبيه، ولكنها ليست كالثقيلة في الحاجة إلى الاسم والخبر وإنما تجيء بعدها الجمل، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص {تكن} بتاء، وقرأ غيرهما {يكن} بياء، وذل حسن للفصل الواقع بين الفعل والفاعل، وقوله: {فأفوز} نصب بالفاء في جواب التمني، وقرأ الحسن ويزيد النحوي {فأفوز} بالرفع على القطع والاستئناف، التقدير: فأنا أفوز: قال روح: لم يجعل ل {ليت} جواباً، وقال الزجّاج: إن قوله: {كأن لم يكن بينكم وبينه مودة} مؤخر. وإنما موضعه فإن أصابتكم مصيبة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف لأنه يفسد فصاحة الكلام.


هذا أمر من الله عز وجل للمؤمنين الذين وصفهم بالجهاد في سبيل الله، و{يشرون} معناه: يبيعون في هذا الموضع، وإن جاء في مواضع: يشترون، فالمعنى هاهنا يدل على أنه بمعنى {يبيعون} ثم وصف الله ثواب المقاتل في سبيل الله، فذكر غايتي حالتيه، واكتفى بالغايتين عما بينهما، وذلك أن غاية المغلوب في القتال أن يقتل، وغاية الذي يقتل ويغنم أن يتصف بأنه غالب على الإطلاق، {والأجر العظيم}: الجنة، وقالت فرقة، {فلْيقاتل} بسكون لام الأمر، وقرأت فرقة {فلِيقاتل} بكسرها، وقرأ محارب بن دثار {فيقتل أو يَغلب} على بناء الفعلين للفاعل، وقرأ الجمهور {نؤتيه} بالنون، وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف {فسوف يؤتيه} بالياء.
وقوله تعالى: {وما لكم} اللام متعلقة بما يتعلق بالمستفهم عنه من معنى الفعل، تقديره وأي شيء موجود أو كائن أن نحو ذلك لكم، و{لا تقاتلون} لفي موضع نصب على الحال، تقديره تاركين أو عطف على {السبيل} أي وفي المستضعفين لاستنقاذهم، ويعني ب {المستضعفين} من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال كفرة قريش وأذاهم لا يستطيعون خروجاً، ولا يطيب لهم على الأذى إقامة، وفي هؤلاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «اللهم أنج سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين» و{الولدان} بابه أن يكون جمع وليد، وقد يكون جمع ولد كورل وورلان، فهي على الوجهين عبارة عن الصبيان، والقرية هاهنا مكة بإجماع من المتأولين.
قال القاضي أبو محمد: والآية تتناول المؤمنين والأسرى وحواضر الشرك إلى يوم القيامة، ووحد الظالم لأنه موضع اتخاذ الفعل، ألا ترى أن الفعل إنما تقديره الذي ظلم أهلها، ولما لم يكن للمستضعفين حيلة إلا الدعاء، دعوا في الاستنقاذ وفيما يوالهيم من معونة الله تعالى وما ينصرهم على أولئك الظلمة من فتح الله تبارك وتعالى.

9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16